فقيه: الذهبي حذر من التشدد في النهي عن المنكر لأنه سبيل لسفك الدماء
أشار عضو هيئة التدريس في الجامعة الإسلامية الدكتور هاني فقيه في محاضرته عن «الاعتدال والوسطية، الإمام الذهبي نموذجا» أمس الأول بأدبي المدينة إلى صور الاعتدال في منهج الإمام الذهبي، والتي منها تشديده في مسألة سفك الدماء، وإنصافه لكل من يترجم لهم من الأعلام والمشاهير حتى وإن اختلفوا معه في المذهب، وربطه شدة النهي عن المنكر بالقتل، مشيرا إلى أن من يطالع مؤلفاته يجده لا يفرق بين أرباب الطوائف وبيان ما لهم وما عليهم.
وسطية الإسلام
وعن سبب اختياره لموضوع الوسطية ذهب فقيه في محاضرته التي أدارها نايف فلاح إلى أن التطرف أصبح من القضايا التي تشغل المجتمعات الإسلامية هذه الأيام بعد أن اكتوت كثيرا بنيرانه، وتسبب في تخلفها وتدهورها داخليا وخارجيا، وأصبح الاشتغال على مواجهته شغل كثير من العلماء والمثقفين.
والذهبي، بحسب فقيه، والذي لم يكتب كتابا خاصا في الوسطية ولكنه ترك في بابها تقعيدات مهمة وتأصيلات قيمة يبثها بين الحين والآخر في كتبه تجدر دراساتها، تميز بأفكار تأصيلية تحارب التشدد، وهي صادرة عن إمام كبير له وزنه ومكانته العلمية، فضلا عما عرف به من ورع وزهد.
وأكد فقيه أن منهج الاعتدال والوسطية هو السمة الغالبة على علماء الأمة منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا، إلا من شذ وند.
موقفه من الغزالي
ومن صور اعتداله موقفه من الإمام الغزالي حين ترجم له وانتقده في مسائل عديدة خاصة في باب التصوف، واستدلاله في الأحاديث الموضوعة، ومع ذلك أنصفه وصدر ترجمته بقوله: «الشيخ الإمام البحر، حجة الإسلام، أعجوبة الزمان أبو حامد الغزالي صاحب التصانيف والذكاء المفرط».
ومن صور إنصاف الذهبي التي ذكرها فقيه كذلك تحذيره من مسألة سفك الدماء، فكثيرا ما كان يشدد في مسألة الدماء، والأرواح، ويتضح ذلك في ترجمته للحجاج وأبو مسلم الخرساني وجنكيز خان وغيرهم ممن تورطوا في قتل المسلمين.
الاجتهاد مقبول
ومن صور اعتداله أنه يرى أن الشدة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد تفضي بصاحبها لسفك الدماء.
وهو كثيرا ما يميز بين مستويات البدعة وبين الغلاة وغيرهم.
ومن الأمور التي تتجلى فيها وسطيته دعوته إلى ترك تضليل العالم في الطعن ببعض الشخصيات لأجل زلة، لأنه قل من يسلم من الخطأ، وأن العبرة بكثرة الفضائل.
وكانت هذه الفكرة تشغله، لأنه نشأ في بيئة كانت تكثر فيها الخصومات والصراعات التي تصل حد التهاجر والفجور في الخصومة وهضم حق الآخرين.
وكذلك توسطه في مسألة الاجتهاد التي وقع فيها خلط كثير بين طلبة العلم بين طرفي نقيض، فهناك من حرمه وأوجب الأخذ المباشر من الكتاب والسنة، وفي المقابل نجد من حرم الاجتهاد مطلقا أو جعل له شروطا تعجيزية لا تتوفر حتى في كبار الأئمة.
وحين ذكر الخلاف بين الصحابة قال إن سبيلنا أن نستغفر للكل ونحبهم، وفي موضع آخر قال إن تلك أمور جرت بينهم لا يمكن شرحها، ولا فائدة في بثها، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.