ظلم القرون

طولة: ضعف التدوين في المدينة ظلم القرون الأخيرة

تساؤلات عريضة تركها الباحث في تاريخ المدينة المنورة الدكتور سعيد طولة حول ندرة المصادر التي تتناول القرون الأخيرة التي طالها ظلم الرصد والتوثيق، مرجعا ذلك لكسلنا في التدوين التاريخي، وأنه لولا الكتب البسيطة والمقالات التي كتبها بعض المؤرخين لما استطعنا أن نربط الأحداث بعضها ببعض..جاء ذلك في محاضرته التي ألقاها أمس بأدبي المدينة عن الحياة العلمية في المدينة المنورة من القرن11-14هـ.
القارعة الشنقيطية

وأشار طولة في محاضرته لحالة الركود العلمي بين جنبات المسجد النبوي مع بداية القرن الـ13 بسبب أحداث سياسية، مشيرا لبروز عالمات في المدينة، بينهن الشيخة القارعة الشنقيطية التي كانت تفحم كل من يناظرها بالعلم، ولا يقوم لها أحد إلا وتلزمه الحجة، بينهم مفتي المالكية في حينه.
وكذلك زوجة الشيخ محمد سفر وتدعى «أم الزين» التي حفظت القرآن الكريم بالقراءات العشر، وهي بنت سبع سنين، وحفظت 25 متنا من سائر الفنون، وأخذت عن خالها الشيخ عمر المالكي، وروى عنها ابنها الشيخ إسماعيل سفر، والشيخ صالح الفلاني.
وقاربت المدينة في القرنين الـ11 والـ12 بحالتها العلمية مثيلاتها من المراكز العلمية في العالم العربي كالأزهر، والزيتونة، والقرويين في فاس.
وبرز علماء بينهم الشيخ أحمد الشنّاوي، والإمام صفي الدين القشاشي، والسيد أسعد بن أبي بكر الأسكداري، وغيرهم، وتميزت تلك الفترة بتكوين ما يعرف بالأسر العلمية ممن توارثوا العلم كابرا عن كابر، أمثال آل الكوراني، والخليفتي، والخياري، والسمان، والبساطي.
الأحداث السياسيةومن أعظم الأحداث التي أثرت على الحركة العلمية في المدينة الحرب التي قامت بين قوات حاكم مصر محمد باشا وقوات الدولة السعودية الأولى، ثم ذلك الحصار الذي ضربته الحملة المصرية بقيادة طوسون باشا على المدينة وانتهت بدخول القوات المصرية 1227هـ وعودة المدينة إلى حكم الدولة العثمانية، وخرج بسبب ذلك الكثير من علمائها، وبعضهم عانى الجوع والموت، كما تكشف رحلة الشيخ محمد الناصري إلى المدينة سنة 1197هـ عن ذلك، حيث وجدها وقد كادت تخلو من أهل العلم فقال «والبلد الطيب كاد يعرى من متعاطي العلم، سيما مذهب مالك وأحمد».
ودفعت تلك الأحداث والي مصر محمد باشا كي يرسل جماعة منتخبة من علماء الأزهر الشريف للمدينة لتدريس فقه الإمام الشافعي في المسجد النبوي وذلك بعد سنة 1230هـ، فازدهر العلم مرة أخرى وتناسل هؤلاء العلماء وتكونت أسر علمية جديدة اشتهرت فيما بعد، من أمثال آل رضوان، وآل الموافي.
وفي حديثه عن الاتجاهات العلمية لعلماء المدينة ذكر طولة عددا من السجالات الفكرية، من بينها ما حدث للشيخ حسن الأسكوبي حين أقام مرصدا على سطح منزله ضاق به جماعة من علماء المدينة، ظنا منهم أن العلم منحصر في العلوم الدينية، وحدثت بينهم سجالات دفعته أن ينزل مناظيره تفاديا للشر فكان نتيجة ذلك أن أصيب بصدمة نفسية اعتزل فيها الناس وانتهت بوفاته .
النهضة الجزائرية

وتحدث طولة عن عدد من العلماء في الجزائر ممن قادوا الحركة الإصلاحية وتعلموا على يد علماء المدينة، بينهم عبدالحميد بن باديس الذي جاء إلى المدينة ونصحه الونيسي بمجاورتها، ولكن السيد حسين المدني نصحه بالرجوع إلى وطنه والقيام بالإصلاح، فكان من أثر ذلك تأسيسه لجمعية العماء المسلمين في الجزائر ومحاربة الاستعمار.
ويرى طولة أنه كان للثورة الهندية على الإنجليز في دلهي أثر كبير في انتقال جماعات من بلاد الهند إلى الحجاز، من أشهرهم الشيخ عبد الغني الدهلوي، وأخوه الشيخ أحمد الدهلوي وابنه الشيخ مظهر.
فتنة1321هـ

ومن أشهر الأحداث التي مرت على المدينة، كما قال طولة، فتنة حدثت سنة 1321هـ، وذلك أن والي المدينة حينها (علي باشا) أراد أن يفرض بعض الضرائب على الدكاكين لأجل السرج التي يوقدونها، فتعصب بعضهم وثارت ثائرة العوام وأصبحت فتنة انتهت بحبس عدد منهم.