نفي الباحث في معالم المدينة المنورة عبدالله بن مصطفى الشنقيطي أن يكون المخطط المسمي ب”شوران”
الواقع جنوب قباء بالمدينة هو الموقع التاريخي لحرة شوران و جبلها المعروف , جاء ذلك خلال محاضرة نظمها
صالون الوادي المبارك بنادي المدينة أول أمس بعنوان ( شوران .. حرة أخفاها البركان) مشيرا إلى أنه بالرجوع
للسِير و المراجع التاريخية و الوقوف ميدانياً على حرات المدينة و جبالها يتأكد أن النصوص متضافرة على أن
جبل و حرة شوران يقعان شرق المدينة – و ليس جنوبها – و هي حد المدينة الشرقي الذي يفصلها عن نجد
مدعما هذا الرأي بالعديد من الأدلة ، التي وصفها المحاضر بالكثيرة في هذا الجانب التي أورد منها قول محمد
بن الحسن (توفي 199هـ) ” إن صدر وادي مهزور شمال المدينة من حرة شوران” .
كما أكد الباحث على ضرورة إعادة الأمور لنصابها – على حد تعبيره – بتغير مسمى مخطط شوران الحالي
-جنوب المدينة- لمسماه التاريخي و هو ” ذي الجدر” أو “حرة معصم” معللا ذلك بما يتوقف على المسميات
من معرفة مواقع جرت فيها أحداث ، أو نزلت فيه آيات قرآنية ، أو أحاديث نبوية , منوهاً بما تمثله المواقع
بالمدينتين المقدستين – مكة و المدينة- التي تختلف عما سواهما عن أي مكان في العالم كونهما يرتبطان
بالسيرة النبوية و تتعلق بها أحكام فقهية .
وأضاف الشنقيطي أن كثيراً من المؤرخين المتقدمين ، و المعاصرين بمن فيهم مؤرخ المدينة المنورة الأشهر
السمهودي ، وقعوا في إشكالية تحديد موقع حرة شوران معتمدين على ما كتبه عرام بن الإصبغ السلمي
المتوفى سنة 275 في رسالته حين قال: و يحيط بالمدينة من الجبال “عير” وهو جبل يطل على سد كبير
مرتفع و عن يمينه حرة شوران التاريخية .. مبيناً أن عرام جانب الصواب في ذلك، خصوصا أنه من غير أهلها
العارفين بتضاريسها الجغرافية ، مما جعله يعتمد في تحديد موقعها على وصف الحجاج القادمين من المدينة .
و مضى المحاضر في حديثـه مشيرا إلى أن البركان الـذي ثار بالمدينة في القرن السابـع الهـجري غيّـر معالم
المدينة الجيولوجية فحـوّل حـرة شوران من أرض خـضراء معـشبة لأرض صخـرية محـترقـة و حوّل مسار أودية
المدينة التي كانت تمـر من خلاله ، و أغلق طـرقاً قـديما كانت تخـتـصر المـسافات للقادميـن لـها و تـسلكـها
قـوافـل التجارة , مـردفا قوله بأن حـرة شوران كانت محـل اهتمام أمـراء المدينة في القـرنين الثالث و الرابـع
لكثرة مراعيها و خصوبة أرضها قبل أن يحل بها البركان الذي غيّر معالمها .
أما عن محل اللبس الذي وقع به المؤرخون و المحدثون في بركان المدينة عندما بالغوا بوصفه في مؤلفاتهم
فأوضح المحاضر بأن من المؤرخين من ذكر أن أودية المدينة جرت بحمم من نار ، ومنهم من أنزل البركان على
الحديث المشهور ( لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى ) مؤكداً أن
جميع المصادر التاريخية تدلل على أن البركان لم يتجاوز طوله 100 متر و أنه لا يمكن أن يرى أهل بصرى
إضاءته لطول المسافة بينهما .. مختتما حديثه قائلا : لم أجد تفسيرا لقولهم هذا سواء أن البركان امتد على
طول الحرار منتقلاً من جبل لآخر بجهة الشمال حتى وصل قرب بصرى فشاهدوا سكانها و هو الأرجح عندي
كون حرة شوران كبيرة و تمتد على مساحة 3000 كيلو متر أو أن بركان الحجاز الذي يرى من بصرى من
علامات الساعة التي لم تحدث بعد .
و قد شهدت المحاضرة عددا من المداخلات التي بدأت مع عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية والمشرف
على الصالون د. هاني فقيه بقوله : إن المحاضر قـلب موازين المفاهـيم عندما ذكر أن مخطط شوران الحالي
ليس له علاقة بحرة شوران المعروفة ، و استطاع المحاضر بحسب فـقـيه أن يجمع بين بركان المدينة و روايات
المؤرخين الذين ذكـروا أنه شوهـد بأرض بصـرى في الشام ، و طـرحه احـتمال امتـداد البركان لعدد من الجبال
المتصلة باتجاه الشمال حتى اقـتـرب منهم فشاهدوه .
و في رد على إحدى مداخلات الحضور الذين طالبوه بالرجوع إلى كتب الرحلات .. قال الشنقيطي : إن كتب
الرحالة لا يعتمد عليها في تحديد المواقع كونها من المصادر الثانوية و ليست من المصادر الأصلية .. مشيراً
أن محطات الرحالة التي كانوا يتوقفون عندها لا تمثل سوى منازل الطرق فقط إلى جانب كونهم يعتمدون
على حديث العوام في رصدهم للمواقع .